الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين خرجوا إلى أرض الحبشة ، إسلام أهل مكة ، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك ، حتى إذا دنوا من مكة ، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا . من عاد من بني عبد شمس و حلفائهم فكان ممن قدم عليه مكة منهم ، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة ، فشهد معه بدرا و أحدا ، و من حُبس عنه حتى فاته بدر وغيره ، ومن مات بمكة منهم من بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، و معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، و امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو . ومن حلفائهم : عبدالله بن جحش بن رئاب . من عاد من بني نوفل ومن بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان ، حليف لهم ، من قيس ابن عيلان . من عاد من بني أسد ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد . من عاد من بني عبدالدار ومن بني عبدالدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ؛ بن عبدالدار . وسُويـبط بن سعد بن حرملة . من عاد من بني عبد بن قصي ومن بني عبد بن قصي : طُليب بن عمير بن وهب بن عبد . من عاد من بني زهرة ومن بني زهرة بن كلاب : عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد ابن الحارث بن زهرة ؛ والمقداد بن عمرو . حليف لهم ؛ وعبدالله بن مسعود ، حليف لهم . من عاد من بني مخزوم و حلفائهم ومن بني مخزوم بن يقظة : أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله ابن عمرو بن مخزوم ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ؛ وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم . وسلمة بن هشام بن المغيرة ، حبسه عمه بمكة ، فلم يقدم إلا بعد بدر وأحد والخندق ، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة ، هاجر معه إلى المدينة ، ولحق به أخواه لأمه : أبو جهل بن هشام ، والحارث بن هشام ، فرجعا به إلى مكة فحبساه بها حتى مضى بدر وأحد والخندق . ومن حلفائهم : عمار بن ياسر ، يُشك فيه ، أكان خرج إلى الحبشة أم لا ؟ ومعتب بن عوف بن عامر من خزاعة . من عاد من بني جمح ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح . وابنه السائب بن عثمان ؛ وقدامة بن مظعون ؛ وعبدالله بن مظعون . من عاد من بني سهم ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي ؛ وهشام بن العاص بن وائل ، حبس بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى قدم بعد بدر وأحد والخندق . من عاد من بني عدي ومن بني عدي بن كعب : عامر بن ربيعة ، حليف لهم ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة بن غانم . من عاد من بني عامر و حلفائهم ومن بني عامر بن لؤي : عبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى بن أبي قيس : وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وكان حبس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة ، حتى كان يوم بدر ، فانحاز من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد معه بدرا ؛ وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى ، معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ؛ والسكران بن عمرو بن عبد شمس ، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس ، مات بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته سودة بنت زمعة . ومن حلفائهم : سعد بن خولة . من عاد من بني الحارث ومن بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبدالله ابن الجراح ؛ وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد ؛ وسهيل بن بيضاء ، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال ؛ وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال . فجميع من قدم عليه مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا . فكان من دخل منهم بجوار ، فيمن سمُي لنا : عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي ، دخل بجوار من الوليد بن المغيرة ، وأبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، دخل بجوار من أبي طالب بن عبدالمطلب وكان خاله . وأم أبي سلمة : برة بنت عبدالمطلب . تألمه لما يصيب إخوانه في الله ، و ما حدث له في مجلس لبيد قال ابن إسحاق : فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان ، قال : لما رأى عثمان ابن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء ، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة ، قال : والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك ، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني ، لنقص كبير في نفسي . فمشى إلى الوليد بن المغيرة ، فقال له : يا أبا عبد شمس ، وفت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك ؛ فقال له : لم يا ابن أخي ؟ لعله آذاك أحد من قومي ؛ قال : لا ، ولكني أرضى بجوار الله ، ولا أريد أن أستجير بغيره ؟ قال : فانطلق إلى المسجد ، فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية . قال : فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد : هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ؛ قال : صدق ، قد وجدته وفيا كريم الجوار ، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره ؛ ثم انصرف عثمان ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم ، فجلس معهم عثمان ، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل* قال عثمان : صدقت . قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل * قال عثمان : كذبت ، نعيم الجنة لا يزول . قال لبيد بن ربيعة : يا معشر قريش ، والله ما كان يُؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ؟ فقال رجل من القوم : إن هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا ، فلا تجدن في نفسك من قوله ؛ فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضَّرها ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان ، فقال : أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، لقد كنت في ذمة منيعة . قال : يقول عثمان : بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ؛ فقال له الوليد : هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد إلى جوارك ؛ فقال : لا . ضجر المشركين بأبي طالب لإجارته ، و دفاع أبي لهب ، و شعر أبي طالب في ذلك قال ابن إسحاق : وأما أبو سلمة بن عبدالأسد ، فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبدالله بن عمر بن أبي سلمة أنه حدثه : أن أبا سلمة لما استجار بأبي طالب ، مشى إليه رجال من بني مخزوم ، فقالوا له : يا أبا طالب ، لقد منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ؟ قال : إنه استجار بي ، وهو ابن أختي ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ؛ فقام أبو لهب فقال : يا معشر قريش ، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ ، ما تزالون توثَّبون عليه في جواره من بين قومه ، والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه ، حتى يبلغ ما أراد . قال : فقالوا : بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة ، وكان لهم وليا وناصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبقوا على ذلك . فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ، ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو طالب يحرض أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن امرأ أبو عتيبة عمه * لفي روضة ما إن يُسام المظالما أقول له ، وأين منه نصيحتي * أبا معتب ثبتْ سوادك قائما ولا تقبلنّ الدهر ما عشت خطة * تُسبّ بها إما هبطت المواسما وولّ سبيل العجز غيرك منهمُ * فإنك لم تخُلق على العجر لازما وحارب فإن الحرب نُصْف ولن ترى * أخا الحرب يُعطىالخسف حتى يُسالما وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة * ولم يخذلوك غانما أو مغارما جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما بتفريقهم من بعد ود وألفة * جماعتنا كيما ينالوا المحارما كذبتم وبيت الله نُبزى محمدا *ولما تروا يوما لدى الشعب قائما قال ابن هشام : نبزى : نسلب . قال ابن هشام : وبقي منها بيت تركناه . سبب جوار ابن الدغنة لأبي بكر قال ابن إسحاق : وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، كما حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنهما ، حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له ، فخرج أبو بكر مهاجرا ، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين ، لقيه ابن الدغنة ، أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش . قال ابن إسحاق : والأحابيش : بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة ، وبنو المصطلق من خزاعة . قال ابن هشام : تحالفوا جميعا ، فسموا الأحابيش - لأنهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة - للحلف . ويقال : ابن الدغينة . قال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : فقال ابن الدغنة : أين يا أبا بكر ؟ قال : أخرجني قومي وآذوني ، وضيقوا علي ؛ قال : ولم ؟ فوالله إنك لتزين العشيرة ، وتعين على النوائب ، وتفعل المعروف ، وتكسب المعدوم ، ارجع فأنت في جواري . فرجع معه ، حتى إذا دخل مكة ، قام ابن الدغنة فقال : يا معشر قريش ، إني قد أجرت ابن أبي قحافة ، فلا يعرضن له أحد إلا بخير . قالت : فكفوا عنه . قالت : وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح ، فكان يصلي فيه ، وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى . قالت : فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء ، يعجبون لما يرون من هيئته . قالت : فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة ، فقالوا له : يا ابن الدغنة ، إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا ، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي ، وكانت له هيئة ونحو ، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم ، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء . قالت : فمشى ابن الدغنة إليه ، فقال له : يا أبا بكر ، إني لم أجرك لتؤذي قومك ، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه ، وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك ، فاصنع فيه ما أحببت ؛ قال : أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ؟ قال : فاردد علي جواري ؛ قال : قد رددته عليك . قالت : فقام ابن الدغنة ، فقال : يا معشر قريش ، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم ابن محمد ، قال : لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا . قال : فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة ، أو العاص بن وائل ، قال : فقال أبو بكر : ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه ؟ قال : أنت فعلت ذلك بنفسك . قال : وهو يقول : أي رب ، ما أحلمك ، أي رب ، ما أحلمك ، أي رب ، ما أحلمك . قال ابن إسحاق : وبنو هاشم وبنو المطلب في منـزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ، ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حُبيب بن نصر بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه ، فكان هشام لبني هاشم واصلا ، وكان ذا شرف في قومه ، فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير ، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا ، قد أوقره طعاما ، حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ، ثم ضرب على جنبه ، فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا ، فيفعل به مثل ذلك . سعي هشام في ضم زهير بن أبي أمية له قال ابن إسحاق : ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وكانت أمه عاتكة بنت عبدالمطلب ، فقال : يا زهير ، أقد رضيت أن تأكل الطعام ، وتلبس الثياب ، وتنكح النساء ، وأخوالك حيث قد علمت ، لا يباعون ولا يبتاع منهم ، ولا ينكحون ولا يُنكح إليهم ؟ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ، ما أجابك إليه أبدا ؛ قال : ويحك يا هشام ، فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد ، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها ؛ قال : قد وجدت رجلا ، قال : فمن هو ؟ قال : أنا ، قال له زهير : أبغنا رجلا ثالثا . فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، فقال له : يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف ، وأنت شاهد على ذلك ، موافق لقريش فيه ، أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدُنهَّم إليها منكم سراعا ؛ قال : ويحك ، فماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد ؛ قال : قد وجدت ثانيا ؛ قال : من هو ؟ قال : أنا ؛ فقال : أبغنا ثالثا ؛ قال : قد فعلت ؛ قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، قال : أبغنا رابعا . فذهب إلى البختري بن هشام ، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي ، فقال : وهل من أحد يُعين على هذا ؟ قال : نعم ؛ قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ؛ قال : أبغنا خامسا . فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه ، وذكر له قرابتهم وحقهم ، فقال له : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال : نعم ، ثم سمى له القوم . فاتعدوا خَطْم الحجون ليلا بأعلى مكة ، فاجتمعوا هنالك . فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ، وقال زهير : أنا أبدؤكم ، فأكون أول من يتكلم . فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة ، فطاف بالبيت سبعا ؛ ثم أقبل على الناس فقال : يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى لا يُباع ولا يُبتاع منهم ، والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة . قال أبو جهل : وكان في ناحية المسجد : كذبت والله ولا تشق ؛ قال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابها حيث كتبت ؛ قال أبو البختري : صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ، ولا نقر به ؛ قال المطعم بن عدي : صدقتما وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ، ومما كتب فيها ؛ قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك . فقال أبو جهل : هذا أمر قُضي بليل ، تُشُوْوِرَ فيه بغير هذا المكان . وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا ( باسمك اللهم ) . وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة . فشُلّت يده فيما يزعمون . إخباره عليه الصلاة والسلام بأكل الأرضة الصحيفة ، و ما كان من القوم بعد ذلك قال ابن هشام : وذكر بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب : يا عم ، إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش ، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها ، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان ؛ فقال : أربك أخبرك بهذا ؟ قال : نعم ؛ قال : فوالله ما يدخل عليك أحد ، ثم خرج إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم ، فإن كان كما قال ابن أخي ، فانتهوا عن قطيعتنا ، وانزلوا عما فيها ، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي ، فقال القوم : رضينا ، فتعاقدوا على ذلك ، ثم نظروا ، فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزادهم ذلك شرا . فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا . قال ابن إسحاق : فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها ، قال أبو طالب ، فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم : ألا هل أتى بحريِّنا صنع ربنا * على نأيهم والله بالناس أرودُ فيخبرهم أن الصحيفة مزقت * وأنْ كل ما لم يرضه الله مفسد تراوحها إفك وسحر مجمع * ولم يُلف سحر آخر الدهر يصعد تداعى لها من ليس فيها بقرقر * فطائرها في رأسها يتردد وكانت كفاء رقعة بأثيمة * ليُقطع منها ساعد ومقلَّد ويظعن أهل المكتين فيهربوا * فرائصهم من خشية الشر ترعد ويُترك حرّاث يقلب أمره * أيُتهم فيهم عند ذاك ويُنجد وتصعد بين الأخشبين كتيبة * لها حدج سهم وقوس ومِرهد فمن يَنْشَ من حضّار مكة عزه * فعزتنا في بطن مكة أتلد نشأنا بها والناس فيها قلائل * فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد ونُطعم حتى يترك الناس فضلهم * إذا جعلت أيدي المفيضين تُرعد جزى الله رهطا بالحجون تبابعوا * على ملأ يهدي لحزم ويرشد قعودا لدى خطم الحجون كأنهم * مقاولة بل هم أعز وأمجد أعان عليها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد جريّ على جُلَّى الخطوب كأنه * شهاب بكفَّيْ قابس يتوقَّد من الأكرمين من لؤي بن غالب * إذا سيم خسفا وجهه يتربد طويل النجاد خارج نصفُ ساقه * على وجهه يُسقى الغمام ويسعد عظيم الرماد سيد وابن سيد * يحض على مَقْرَى الضيوف ويحشد ويبني لأبناء العشيرة صالحا * إذا نحن طفنا في البلاد ويمهد ألظَّ بهذا الصلح كل مبرَّأ * عظيم اللواء أمره ثم يحُمد قضوا ما قضوا في ليلهم ثم أصبحوا * عل مهل وسائر الناس رُقَّدُ همُ رجعوا سهل بن بيضاء راضيا * وسُرّ أبو بكر بها ومحمد متى شُرّك الأقوام في جل أمرنا * وكنا قديما قبلها نُتودد وكنا قديما لا نُقرّ ظُلامة * وندرك ما شئنا ولا نتشدد فيا لقصي هل لكم في نفوسكم * وهل لكم فيما يجىء به غد فإني وإياكم كما قال قائل * لديك البيان لو تكلمت أسود ما رثى به حسان المطعم بن عدي ، وذكره نقضه الصحيفة وقال حسان بن ثابت : يبكي المطعم بن عدي حين مات ، ويذكر قيامه في نقض الصحيفة : أيا عين فابكي سيد القوم واسفحي * بدمع وإن أنزفته فاسكبي الدما وبكِّي عظيم المشعرين كليهما * على الناس معروفا له ما تكلما فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا * من الناس ، أبقى مجده اليوم مُطعما أجرت رسول الله منهم فأصبحوا * عبيدك ما لبى مُهِلّ وأحرما فلو سئلت عنه معد بأسرها * وقحطان أو باقي بقية جرهما لقالوا هو الموفى بخُفرة جاره * وذمته يوما إذا ما تذمما فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم * على مثله فيهم أعز وأعظما وآبى إذا يأبي وألين شيمة * وأنوم عن جار إذا الليل أظلما فذهب إلى البختري بن هشام ، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي ، فقال : وهل من أحد يُعين على هذا ؟ قال : نعم ؛ قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ؛ قال : أبغنا خامسا . قال ابن هشام : قوله ( كليهما ) عن غير ابن إسحاق . قال ابن هشام : وأما قوله : ( أجرت رسول الله منهم ) ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، من تصديقه ونصرته ، صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال : أنا حليف ، والحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ، ثم تسلح المطعم وأهل بيته ، وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطاف بالبيت وصلى عنده ، ثم انصرف إلى منـزله . فذلك الذي يعني حسان بن ثابت . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضا : يمدح هشام بن عمرو لقيامه في الصحيفة : هل يُوفينّ بنو أمية ذمة * عقدا كما أوفى جوار هشام من معشر لا يغدرون بجارهم * للحارث بن حُبيِّب بن سخام وإذا بنو حسل أجاروا ذمة * اوفوا وأدَّوْا جارهم بسلام وكان هشام أحد سُحام بالضم قال ابن هشام : ويقال سخام .
|